مذكرة مفاهيمية 

في عالم دائم التغير، تلعب العدالة دورًا أساسيًا في الحفاظ على حقوق وأمن الأفراد ولكي تتمكن الأنظمة القضائية من أداء أدوارها على أكمل وجه في ظل هذه التطورات، عليها أن تتكيف باستمرار مع متطلبات وتحديات العصر الرقمي وتحدياته.

يعد التحول الرقمي لمنظومة العدالة مسارا معقدا ومثيرا، فبقدر ما يتيح فرصًا فريدة لتعزيز كفاءة المرفق القضائي ولتيسير الولوج إلى العدالة، فإنه يطرح أيضًا تحديات كبيرة.

وفي المغرب، بدأت أول الخطوات الرقمنة على طريق في عام 1989 مع ورش الإصلاح الهيكلي لقطاع الاتصالات وتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. ومن بين ثمار هذا الورش، وثق المغرب مجهوداته نحو تحقيق النفاذ إلى مجتمع المعلومات والمعرفة سنة 1995 بإطلاق أولى مواقع الإدارة العمومية على الإنترنت. واقتناعا منه بأهمية هذه الرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، أعلن المغرب سنة 2000 عن استراتيجيته الوطنية الأولى لإدماج المملكة في مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة “المغرب الإلكتروني 2005”. 

ومنذ ذلك الحين، توالت مجموعة من الاستراتيجيات الرقمية (eMaroc 2009، Maroc Numéric 2013، Maroc Digital 2020، NOG2023)، مكنت المغرب من أن تتبوأ مرتبة مميزة ضمن الاقتصادات الرقمية الصاعدة في في هذا المجال.

 إن المغرب اليوم أكثر تصميما من أي وقت مضى على ترسيخ نفسه بشكل لا رجعة فيه في العصر الرقمي. وفي هذا التوجه، جعل النموذج الجديد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمثابة حافز للتحول والإصلاح في جميع القطاعات. وهكذا سيتم إنشاء وزارة مسؤولة عن التحول الرقمي في عام 2021. وتعمل هذه الوزارة حالياً على وضع رؤية جديدة لعام 2030.

واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، فإن المملكة المغربية عازمة على ترسيخ حضورها ودورها في العصر الرقمي. وتطلعا لهذه الغاية، جعل النموذج الجديد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية -الذي تمت صياغته واعتماده كمرجع وطني للسياسات القطاعية – التكنولوجيا الرقمية كركيزة ومحرك أساسيين لكل مشاريع الإصلاح على مستوى مختلف القطاعات.  وإرساء لهذا التوجه، تم إحداث وزارة مكلفة بالتحول الرقمي في عام 2021، وأنيطت بها مؤخرا صياغة “رؤية 2030” لتشكل ورقة استشرافية في المجال.

ويعتبر قطاع العدالة من بين القطاعات السباقة في استغلال الفرص التكنولوجية، ولطالما حظي التحول الرقمي لخدمات العدالة بمكانة بارزة في المخططات والسياسات الحكومية المذكورة أعلاه. وتجسيدا لانخراط والتزام منظومة العدالة بكل مكوناتها في هذا الركب، تم ادماج التكنولوجيا الرقمية كرافعة أساسية في ميثاق إصلاح العدالة من خلال هدفه السادس الرامي إلى “تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حوكمتها” وأهدافه الفرعية والتي تمت صياغتها كالتالي:

  • إرساء مقومات المحكمة الرقمية؛
  • تحديث الإدارة القضائية وتعزيز انفتاحها على المواطنين؛
  • الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم. 

وبفضل الجهود المشتركة والمكثفة لجميع الفاعلين في منظومة العدالة، أضحى المغرب اليوم نموذجا ملهما يحتذى به في مجال العدالة الرقمية لاسيما في إطار التعاون جنوب-جنوب. ويتجلى ذلك من خلال التقدم الملحوظ الذي تواصل المملكة تحقيقه على مستويات عدة:

  • تعزيز الحكامة الجيدة لمواكبة التحول الرقمي في القطاع؛
  • تجويد الخدمات القضائية والإدارية لضمان الوصول السهل والسريع والشفاف والشامل إلى العدالة؛
  • تحديث نظم معلومات المحاكم؛
  • تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي؛
  • بناء وتنمية المهارات والقدرات الرقمية.

من المؤكد أن تأثير رقمنة العدالة إيجابي، لكن بعض التحديات لا تزال قائمة، لا سيما تلك المرتبطة ببطء الإجراءات القانونية، وتكييف الإطار القانوني والتنظيمي، وعدم كفاية الموارد البشرية، والبنية التحتية الرقمية، وإدارة التغيير، والشمولية الرقمية… ومن المؤكد أيضا أن هذه التحديات تواجه العديد من أنظمة العدالة في جميع أنحاء العالم. وهنا يبرز دور التعاون وتبادل التجارب والخبرات من أجل استخلاص الدروس وتبني الممارسات الناجحة قصد التوصل إلى حلول فعالة وناجعة.

وحرصا منها على مواجهة هذه التحديات مع العمل على تثمين جهود المغرب في هذا الباب، اعتمدت وزارة العدل بتعاون وثيق مع شركاؤها رؤية جديدة لإعطاء دفعة نوعية لمسار التحول الرقمي لمنظومة العدالة. وفي هذا السياق، تم إبرام شراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هدفها الرئيسي دعم تنفيذ ميثاق إصلاح العدالة.

وفي هذا الإطار، يندرج تنظيم المؤتمر الدولي المزمع عقده بمدينة طنجة بالمغرب يومي 8 و9 فبراير 2024 تحت شعار “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لتحقيق عدالة فعالة وشمولية”. وسيشكل هذا الملتقى حدثا بارزا يعكس التزام المغرب بتفعيل العدالة الرقمية وحرصه على تحقيق مواءمة توجهاته في هذا المجال مع:

  • أهداف التنمية المستدامة 2030: وتكمن مهمة المؤتمر، في هذا السياق، في تسليط الضوء على مساهمة التحول الرقمي لمنظومة العدالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما تلك المتعلقة بالعدالة والمساواة والولوج إلى العدالة والمؤسسات الفعالة؛
  • أجندة الاتحاد الأفريقي 2063: سيؤكد المؤتمر أهمية أجندة 2063 لأفريقيا، ويشدد على مركزية مشروع تحديث لمنظومة العدالة باعتبارها أساسا للتنمية المستدامة والتكامل القاري.

وسيوفر المؤتمر منصة فريدة للجهات الفاعلة في مجال العدالة الرقمية، الوطنية منها والإقليمية والدولية، لتبادل الخبرات ومشاركة أفضل الممارسات، وتعميق الحوار حول الفرص التي يوفرها التحول الرقمي في هذا المجال. وستغطي أشغال المؤتمر مجموعة المواضيع:

  • تحديات وفرص التحول الرقمي للعدالة؛
  • الإطار القانوني والتنظيمي للعدالة الرقمية؛
  • خدمات العدالة الرقمية المتمركزة حول المرتفق؛
  • منظومة العدالة الرقمية المتكاملة: تحديات التبادل والتشغيل البيني;
  • العدالة الرقمية المبنية على البيانات؛
  • العدالة الرقمية وتشجيع الاستثمار؛
  • المهارات المطلوبة لمواكبة التحول الرقمي للعدالة.

وسيحضر المؤتمر 200 مشاركا يتكونون من صناع القرار وخبراء رفيعي المستوى بالإضافة إلى ممثلي المؤسسات العمومية بالبلدان المتقدمة والصاعدة فيما يتعلق بمجال رقمنة العدالة.